مـاذا لو تسـاوت قيمـة الحيـاة..هنـــا… وهنـــاك
صاحب المقال: بـونـــــــــوا بـريـفـــــــــي
تاريخ النشر : يناير 2024

إفتتاحيات أخرى

To access this post, you must purchase إشتراك جانفي/كانون الثاني 2023.

من وجهة نظر القانون الدولي، الوضعية على قدر كبير من الجلاء والوضوح: روسيا تحتل بشكل غير قانوني جارتها الأوكرانية، تماماً كما تحتل إسرائيل بشكل غير قانوني جارتها الفلسطينية، وهو ما أدانته الأمم المتحدة مرارا وتكرارا. ومن المفترض أن يواجه البلدان نفس الرفض والتنديد من قبل الغربيين، الذين يدافعون عن فكرة «نظام قائم على قواعد». الأمر ليس كذلك مطلقا. في إحدى الحالات، وقفت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي إلى جانب الدولة التي تعرضت للإعتداء؛ وفي الحالة الأخرى، وقفا إلى جانب الدولة المعتدية.

وهكذا، ومنذ الأيام الأولى للحرب، فتحت القارة العجوز الأبواب واسعة أمام ملايين المهجرين الأوكرانيين، في اندفاعة سخية لمشاعر كرم الضيافة، ليس من شأنها سوى تغذية مشاعر الضيم والغبن لدى اللاجئين المهجرين من العراق أو سوريا أو أفغانستان. وقد برر كاتب افتتاحية بريطاني الأمر بقوله، إن الأوكرانيين «يشبهوننا (…) إنهم يشاهدون ناتفليكس  Netflix، ولديهم حسابات على انستغرام Instagram، ويصوتون في انتخابات حرة، ويقرأون صحفا غير خاضعة للرقابة»(1). لم يعرض أي كان استقبال مئات الآلاف من السكان الذين يرغبون في الهروب من غزة. وبعد أربعة وأربعين يوماً من القصف الإسرائيلي، وافق الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، بالكاد، على استقبال خمسين طفلاً فلسطينياً جريحاً، «إذا كان ذلك مفيدا وضروريا».

وقد ردت واشنطن وبروكسل على الغزو الروسي، من خلال فرض عقوبات صارمة ضد موسكو (حظر على النفط، وقيود تجارية ومصرفية، وتجميد أصول شخصيات مقربة من النظام، وحظر بث قناة روسيا اليوم في أوروبا…). كما استهدفت دعوات المقاطعة رياضيين وموسيقيين وصانعي أفلام وكتابا. مثلما تم إلغاء معارض وحفلات موسيقية. لكن، لم يحدث شيء من ذاك القبيل، بالنسبة لإسرائيل. وتدعو حركة «مقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات» (BDS)، التي تم تأسيسها عام 2005، دون جدوى، إلى اتخاذ إجراءات عقابية ضد تل أبيب. وهذه الحركة، التي تُتهم بانتظام بمعاداة السامية، هي حركة منبوذة في ألمانيا ومحظورة في حوالي ثلاثين ولاية أمريكية. وهي تخضع، في فرنسا، لتتبعات  قانونية، بينما يحظر في كندا، الترويج لها.

وليس هناك من مجال لحصر أوجه التمييز والتباين. ففي حين يسلم الغرب الأسلحة إلى أوكرانيا المحتلة، فإنه يبيعها للمحتل الإسرائيلي، مع تهديد أولئك الذين قد  يدعمون الفلسطينيين عسكريا بإجراءات عقابية. وقد وصف الرئيس الأمريكي جوزيف بايدن قصف مستشفى ماريوبول بأنه «عار على العالم أجمع»، لكنه التزم الصمت عندما قامت إسرائيل، من خلال قصفها وحصارها، بإخراج ثلث مستشفيات غزة من الخدمة. كما ندد بمذبحة بوتشة ووصفها بأنها «إبادة جماعية»، لكنه يرفض الدعوة إلى وقف إطلاق النار في غزة، حيث قُتل ما يقرب من 20 ألف شخص في أقل من ثلاثة أشهر…

وكثيراً ما عمد المعلقون الغربيون إلى مقارنة ضحايا هجوم حماس البالغ عددهم 1200 نسمة بعدد سكان إسرائيل الذي يبلغ 8 ملايين نسمة، مستعرضين عمليات حسابية من قبيل أنه بالنسبة لدولة يبلغ عدد سكانها 331 مليون نسمة، مثل الولايات المتحدة، فإن عمليات القتل التي قامت بها حماس سوف تكون بمثابة اغتيال 45 ألف مدني، أو «عشرين مرة 11 سبتمبر/أيلول»… بالنسبة لفرنسا 9000 أو «مائة باتاكلان». ولكن ماذا لو قمنا أيضاً بمقارنة العشرين ألف قتيل في غزة بسكان يبلغ عددهم 2.3 مليون نسمة؟ في فرنسا، سيؤدي هذا إلى وفاة 580 ألف شخص. وبالنسبة للولايات المتحدة، نحو 2.8 مليون، أي أكثر من المجموع التراكمي لجميع الحروب في تاريخها، بما في ذلك الحرب الأهلية. لقد حكم على ما يقرب من %70 من سكان غزة بالتهجير. وعليه، فإنه علينا أن نقوم بالمقارنة هنا أيضا: ما يعادل ذلك سيعطي حوالي 50 مليون فرنسي وحوالي 200 مليون أمريكي…

 

1) دانيال هانان،    « Vladimir Putin’s monstrous invasion is an attack on civilisation itself » «غزو فلاديمير بوتين الوحشي هو هجوم على الحضارة نفسها»، صحيفة «التلغراف، لندن»، 26 فيفري/شباط 2022.

 

إشتراك سنوي + 24 أخر عدد

إشتراك سنوي

إشتراك سنوي

العدد الحالي

العدد الحالي

إقتناء العدد الحالي فقط

Share This