العقوبـــات ‬الجماعيـــة
صاحب المقال: بـونـــــــــوا بـريـفـــــــــي
تاريخ النشر : مارس 2024

إفتتاحيات أخرى

To access this post, you must purchase إشتراك جانفي/كانون الثاني 2023.

كانت واحدة من أشنع وأقسى العقوبات في اليونان القديمة. في حالة جرائم القتل السياسي أو الخيانة العظمى، يمكن لمجلس المواطنين اتخاذ قرار بهدم منزل المتهم، وإدانة عائلته بالنفي، وهي عقوبة عرفت تاريخيا تحت مسمى «kataskaphê» (كاتاسكافي) . يقول المؤرخ والتر ر. كونور، إن المدينة كانت تريد، من خلال هذه العقوبة، تجسيد «الاستبعاد النهائي للمخالف وأحفاده من المجتمع»(1). كان لا بد من تحويل أدنى ممتلكاتهم إلى غبار، للحيلولة دون بيعها أو تبادلها، ويمكن أن يصل الأمر حد نبش عظام أسلافهم من أجل إلقائها خارج المدينة.

وعندما يتعلق الأمر بالعقاب الجماعي، فإن الإمبراطورية الصينية لم يكن يعوزها، بدورها، الخيال. فعلى مدى قرون عدة، طبقت مبدأ «إعدام العشيرة»، أي تصفية عائلات بعض المجرمين. ويمكن أن يتم إفناء مجمل أجيال الأسرة الواحدة، وكذلك الأصهار، وأحيانا أبعد من ذلك. وقد قُتل العالم فانغ شياورو، المتهم بالطعن في شرعية لإمبراطور، عام 1402 مع جميع حاشيته وأقاربه، بدءا من أبناء أخيه ووصولا إلى طلابه وأصدقائه، الذين بلغ عددهم الإجمالي 873 شخصا.

مثل هذه العقوبات، التي كانت شائعة في العصور القديمة والعصور الوسطى، يمكن اعتبارها اليوم، عقوبات بربرية ووحشية. أليست العدالة الحديثة مبنية على مبدأ المسؤولية الشخصية؟ ألا يصنف القانون الدولي العقوبات الجماعية على أنها «جرائم حرب»؟ لا يمكن معاقبة أي شخص على أخطاء لم يرتكبها: فحتى الأنظمة الأكثر استبدادية تعترف بهذا المبدأ، على الأقل على الورق.

أما في فلسطين، فيبدو أن زمن العقوبات الجماعية لم يختف قط. فمنذ عقود من الزمن، تقوم إسرائيل بهدم منازل الفلسطينيين المتهمين بالإرهاب، حتى قبل أي إدانة قضائية، ووضع عائلاتهم في الشارع لغرض وحيد، هو الانتقام والإذلال والترهيب. ويطال ذلك أيضا سكان القدس الشرقية الذين قد يفقدون تصريح إقامتهم بسبب تصرفات أحد أقاربهم. ومثل العديد من الدول التي تعيش حالة حرب، فإن جيش تل أبيب يمارس أيضا عمليات إعدام تطال الأجوار، حيث يقصف مباني بأكملها للوصول إلى مشتبه به، ويقوم منذ هجمات 7 أكتوبر/تشرين الأول، حتى باستهداف مدينة بأكملها: يجب على جميع سكان قطاع غزة أن يدفعوا ثمن المذابح التي ارتكبتها حماس.

وفي فرنسا أيضاً، تملأ الأجواء رائحة الاشتباه الناتج عن وجود صلة قرابة بشخص مذنب. بمجرد أن يرتكب مهاجر جريمة، ترتفع بعض الأصوات مطالبة بقانون يضيق على جميع الأجانب. ولا يمكننا اليوم حصر عدد القادة السياسيين الذين يتوقون إلى معاقبة الآباء على أخطاء أطفالهم. ترغب فاليري بيكريس (الجمهوريون) في حرمانهم من الإعانات العائلية، في حين يدعو إيريك زمور (حركة استعادة  Reconquête) لطردهم من المساكن الاجتماعية، وينادي إيريك سيوتي (الجمهوريون) بإرسالهم إلى السجن… كما هو الحال في الولايات المتحدة، حيث يمكن وضع الوالدين بضعة أيام وراء القضبان، عندما يتغيب ذريتهم كثيرا عن المدرسة، وهي طريقة لم تثمر عن أية نتيجة إيجابية على الإطلاق، باستثناء زيادة تعريض الأسر الهشة إلى أوضاع أكثر هشاشة.

وهذه الأفكار، التي كانت، في السابق، حكرا على اليمين المتطرف، اكتسحت مؤخرا معسكر الرئيس إيمانويل ماكرون. «سيكون من الضروري أن نتوصل منذ تسجيل الجريمة الأولى، إلى معاقبة العائلات ماليا وبشكل سهل، وهذا ضرب من التعريفة الدنيا التي يتعين دفعها منذ المخالفة الأولى»، تلك كانت التوصية التي أطلقها رئيس الدولة في أعقاب أعمال الشغب المسجلة صائفة 2023، والتي تنصهر ضمن منطق أقرب ما يكون لمنطق بالمافيا: يصبح الفرد أكثر طاعة كلما عرف أن أقاربه مهددون. وقد وعد وزير التضامن، المسؤول عن بلورة هذا المشروع، بإنشاء عقوبة الأشغال ذات المصلحة العالمة بالنسبة لـ”الآباء المقصرين”، وهي عقوبة جنائية مصحوبة بتهديد بالسجن في حالة عدم الالتزام بالتنفيذ.

يبتكر المتحمسون لعقوبة الهدم والتدمير («kataskaphê») (كاتاسكافي)عقدا اجتماعيا جديدا: في أعلى السلم، كل نجاح يستحق مكافأة فردية؛ أما في أدنى السلم، فإن أي فشل يستدعي عقابا جماعيا؟؟.

 

1) والتر ر. كونور، «هدم المنزل في المجتمع اليوناني»، «معاملات الجمعية الفلسفية الأمريكية» (Transactions of the American Philological Association)، المجلد 115، منشورات جامعة جونز هوبكنز، بالتيمور 1985.

 

إشتراك سنوي + 24 أخر عدد

إشتراك سنوي

إشتراك سنوي

العدد الحالي

العدد الحالي

إقتناء العدد الحالي فقط

Share This