انـفـصـالات‭ ‬أمـريـكـيـة
صاحب المقال: ســــــــــارج حـلـيـمـــــــــي
تاريخ النشر : أكتوبر 2022

إفتتاحيات أخرى

To access this post, you must purchase إشتراك جانفي/كانون الثاني 2023.

يزعم كلّ من الحزبيْن الأمريكييْن الرئيسييْن أنّ الديمقراطية ستنقرض، إذا لم يكن هو الفائز في انتخابات نصف العُهدة التي ستجرى يوم 8 نوفمبر/تشرين الثاني القادم، وذلك بحجة أنّ خصمه لا يكتفي بالدفاع عن أفكار غير عملية أو مستهجنة، بل هو عدوّ، وجسم غريب فاسق هدّام(1). إنّ هذه العقلية الذّهانية التي كانت في ما مضى تُنسب إلى الهنود والزّنوج والشيوعيين دون سواهم، أصبحت الآن تستهدف عشرات الملايين من « البائسين» و«أشباه الفاشيين» و«الشّموليين». هكذا هم الجمهوريون في نظر الديمقراطيين، والديمقراطيون في نظر الجمهوريين. كما طغتْ على الخطاب السياسي الإشارات إلى الثلاثينيات، والى المواجهات بين الشيعة والسنّة، والى الحرب الانفصالية الأهلية.

كلّ صباح يتلقّى عدد لا يُحصى من المواطنين الأمريكيين على بريدهم الالكتروني، عشرات الرسائل غير المرغوب فيها، وقد خُطّت هذه الرسائل بألوان زاهية وبحروف التّاج. فمن الجانب الديمقراطي جاء يوم 18 سبتمبر/أيلول الماضي ما يلي: «نحن نحتاج إلى تجميع عشرين ألف توقيع قبل الساعة 11 و59 دقيقة. قوموا بالتوقيع من أجل اعتقال دونالد ترامب. نحن على وشك تسليم ترامب للعدالة. ولكنّنا نحتاج إلى دعم جماهيري ضخم جدّا لتحقيق ذلك». وفي اليوم الموالي جاء في ردّ المعني بالأمر الرئيسي قوله «احذروا من تمرير هذه الرسالة الالكترونية إلى أيّ كان. إنّ الشركات الراديكالية للتكنولوجيا الكبرى تحاول إخماد أصواتنا. ثم إن شركاءهم الفاسدين داخل وسائل الإعلام الهابطة يعملون كلّ ما في وسعهم من أجل فرض الرقابة على الجمهوريين. ولكي نجنّب بلادنا الوقوع تحت سيطرة البرنامج الاشتراكي الراديكالي الذي يتبنّاه اليسار، يجب أن ننتخب لعضوية مجلس الشيوخ الجمهوريين المنتمين إلى حركة «أميركا أوّلا» (أي الذين يدعمهم ترامب)».

خلال شهر أوت/آب المنصرم وجّه الرئيس جوزاف بايدن  دعوة إلى أساتذة جامعيين ومحرّري مقالات ليبراليين، وكان من ضمنهم المؤرّخ مايكل بيشلوس الذي يُعتبر مصدر إلهام بعض الخطب الصادرة عن البيت الأبيض. وقد راح يشرح حيثما حلّ «أنّنا نعيش جميعا في خطر وجودي يتمثّل في تدمير ديمقراطيتنا وكلّ الديمقراطيات في العالم»(2)، وسيكون هذا التحليل بمثابة موضوع حملة الديمقراطيين لانتخابات سنة 2024، الأمر الذي سيسمح لهم بربط المعركة التي يخوضونها ضدّ ترامب بتلك التي يخوضونها ضدّ روسيا والصّين. وسواء تعلّق الأمر بالإجهاض أو بالتعليم أو العدالة الجنائية أو استقبال المهاجرين، كلّما اتّخذت ولايات البلاد المختلفة قرارات متعارضة بحسب انتمائها إلى صفّ الجمهوريين أو الديمقراطيين، يظلّ هناك سؤال يشغل بال المعسكريْن: هل يجب الإصرار على تعايش ولايات على هذا القدر من التّفكّك؟ لم يَعد الحكّام الجمهوريون في ولايتي تكساس وفلوريدا يتردّدون في توجيه المهاجرين غير الشرعيين إلى ولايتي نيويورك ومساشوستس، نظرا لما عُرفتا به من تساهل معهم. وقد ظهرت نشريات ذات صيت تجعل من العاديّ إمكانية حدوث عملية انفصالية في البلاد، ذلك أنّ «أمريكا هي ضمنيا دولة ذات قوميتيْن، مكوّنة من طائفتيْن قوميتيْن بينهما عداء راديكالي، ومتقاربتيْن من حيث الحجم والقوّة السياسيّة»(3).

ورغم ذلك ما يزال هناك مجال واحد قلّما نلاحظ فيه هذا التعارض القائم على الكراهية: وهو الدفاع عن الإمبراطورية: إنّ مواجهة روسيا، ومحاصرة الصين، ودعم إسرائيل، وتدجين الاتحاد الأوروبي مواقف حولها إجماع داخل الطبقة السياسية الأمريكية، والدّليل على ذلك أنّه لا حديث عليها…

 

 

1) «الهوس بالتّخريب في الولايات المتحدة الأمريكية»، لومند دبلوماتيك، فيفري/شباط 1988.

2) واشنطن بوست، 10 أوت/آب 2022.

3) «هذه الولايات غير المتّحدة»، مجلّة نيويورك للكتب، 22 سبتمبر/أيلول 2022.

 

إشتراك سنوي + 24 أخر عدد

إشتراك سنوي

إشتراك سنوي

العدد الحالي

العدد الحالي

إقتناء العدد الحالي فقط

Share This