إمبراطوريــــة الفضيلـــة
صاحب المقال: ســــــــــارج حـلـيـمـــــــــي
تاريخ النشر : ديسمبر 2022

إفتتاحيات أخرى

To access this post, you must purchase إشتراك جانفي/كانون الثاني 2023.

التّعايش بين مجلس شيوخ يسيطر عليه الديمقراطيون ومجلس نوّاب يمثّل فيه الجمهوريون الأغلبية لن يزعزع السياسة الخارجية التي تنتهجها الولايات المتحدة الأمريكية، بل إنّه قد يكشف، لمن يجهلون ذلك، تقاربا بين النزعة العسكرية لدى المحافظين الجدد الرائجة بين معظم المنتخَبين الجمهوريين، وبين الامبريالية الأخلاقية الجديدة لدى عدد متزايد من الديمقراطيين.

إذ أنّ هذا الأمر ليس بالجديد، ففي سنة 1917 دفع الرئيس الديمقراطي وودرو ويلسن ببلادَه في الحرب العالمية الأولى التي اتّسمت بالتنافس الإمبراطوري، وذلك بدعوى أنّه كان ينوي بذلك «ضمان الديمقراطية على وجه الأرض». ولكنّ هذا لم يمنعه من أن يكون في نفس الوقت متعاطفا مع مجموعة «كلو كلوكس كلان». ثم في وقت لاحق، خلال فترة الحرب الباردة، سيتداول الجمهوريون والديمقراطيون على البيت الأبيض بهدف الدّفاع عن «العالم الحرّ» ضدّ الشيوعية المُلحدة، «إمبراطورية الشّرّ».

ومع زوال الاتّحاد السوفياتي، حلّ عهد «الحرب على الإرهاب» التي قدّم الرئيس جورج ولكر بوش الضّمان بأنّها ستضع حدّا لظاهرة «الاستبداد في العالم». وقد أدّت هذه الحروب الصّليبية الديمقراطية في كلّ من كوريا وفيتنام وأفغانستان والعراق إلى سقوط عدّة ملايين من الضّحايا، كما صاحبها تقييدٌ للحريات العامّة (الماكارثيّة، اضطهاد المبلّغين عن المخالفات)، كما جعلت من واشنطن حليفةً لكبار المجرمين الذين لم يطلّعوا على أعمال مونتسكيو مُطلقا. ومع ذلك فلمجرّد انحيازهم إلى المعسكر الأمريكي لم يفقد أيّ واحد منهم لا السّلطة (ولا الحياة) على إثر تدخّل عسكري غربي، لا الجنرال سوهارتو في اندونيسيا، ولا نظام الميز العنصري في جنوب إفريقيا ولا أوغستو بينوشاي في الشّيلي.

ثم إنّ في وجود رئيس ديمقراطي في البيت الأبيض ميْلا إلى التّشجيع على تزويق الهيمنة الامبريالية لتظهر في شكل معركة من أجل الديمقراطية. فحتّى في مواجهة خصم بغيض مثل فلاديمير بوتين لا شكّ في أنّ اليسار الأطلسي ما كان ليرضى باصطفاف أتباعه وراء ريتشارد نيكسون أو جورج بوش الأب أو الابن أو دونالد ترامب. ولقد سبق للاستعمار الفرنسي في زمانه أن قُدّم على أنّه إنجاز لمهمّة تحضيرية مستوحاة من ثقافة التنوير، الأمر الذي أكسبه مساندة من طرف جزء من المثقّفين التقدّميين. وهكذا، من الآن فصاعدا، أصبحت المعركة ضدّ الاستبداد الرّوسي والإيراني والصيني تسمح بإعادة تسليح الغرب من النّاحية المعنوية(1).

يوم 24 أكتوبر/تشرين الأول المنصرم أصدر ثلاثون برلمانيا ديمقراطيا رسالة أشادوا فيها بسياسة الرئيس بايدن في أوكرانيا، مع الدعوة إلى الدخول في مفاوضات من أجل وضع حدّ للحرب. وقد أثارت هذه التصريحات السّطحيّة قدرا من الضّجّة العدوانية على شبكة تويتر جعل أغلبية الموقّعين الشّجعان على الوثيقة يتراجعون عن موقفهم على الفور. وقد بادر أحدهم، وهو جامي راسكين، بإظهار براعته في ممارسة التسطيح العامّ الذي تصطبغ به فترات الترهيب الفكري: «إنّ موسكو هي المركز العالمي للكره الموجّه ضدّ النساء، وضدّ المثليين، وضدّ المتحوّلين، وهي ملجأ نظرية الاستبدال العظيم. إنّنا، بدعمنا لأوكرانيا، نعارض هذه المفاهيم الفاشيّة». وحتّى وإنْ جاءت منقوصة من إثارة مسألة الاحتباس الحراري فإنّ إعادة تعريف مُنافِقة كهذه لأهداف الحرب الأمريكية تمثّل أفضل ما يمكن أن ينتجه اليسار الامبريالي القادم.

 

 

1) كريستوفر موط، «الإمبراطورية اليقظة: الالتحام القادم بين العدالة الاجتماعية والتّيّار المحافظ الجديد»، معهد السلام والدبلوماسية، جوان/حزيران 2022.

إشتراك سنوي + 24 أخر عدد

إشتراك سنوي

إشتراك سنوي

العدد الحالي

العدد الحالي

إقتناء العدد الحالي فقط

Share This