قضايا مشتركة
صاحب المقال: اجنازيو رامونیه
تاريخ النشر : أبريل 1989

إفتتاحيات أخرى

To access this post, you must purchase إشتراك جانفي/كانون الثاني 2023.

كنا ننتقد صمتهم، وتباعدهم.. وهاهم يتظاهرون بالمئات، ويحتجون ويوقعون العرائض. وعبر العالم كله يعبئ المثقفون أنفسهم من جديد من أجل “قضية عادلة”. إنهم يدافعون عن روائي يتهدده القتل لأنه وضع كتاباً خرج عن التقاليد، ويشنون حملة ضد الرقباء ومصدري أوامر الحرق.. فكيف لنا ألا نسعد ونحن نشهد التعصب يتصاعد في كل مكان؟.

غير أن هذه التعبئة المفاجئة أثارت كثيرا من التحفظات. فقد رأى فيها البعض رد فعل “نقابي” لكتاب يدافعون عن واحد منهم، أو تعبيراً جماعياً عن شعور بالارتياح إذ بيّنت هذه القضية، أن الأدب مازال خطرا، وان الكتاب مازال يحتفظ -رغم سيطرة الوسائل البصرية السمعية- بقدرة هدامة قوية، وأخيرا فإن البعض يتشكك في أن وسائل الإعلام -وهي التي كانت تزدري دائما “موقعي العرائض”- قد فتحت لهم أعمدتها عن طيب خاطر كنوع من العداء للإسلام الذي لا تعرف عنه الكثير.

ولقد كان يمكن لمثل هذه التحفظات أن تكون بلا اساس لو أن مظالم اخرى، وجرائم اخرى، لا تقل شأنا عن التهديدات الشائنة الموجهة لسلمان رشدي، قد لقيت الادانة بالقوة نفسها.

ففي إيران مثلا، وخلال شهر فبراير/شباط الماضي وحده، نفذ الإعدام في ألف وستمائة وأربعة وثلاثون سجينا سياسيا.. شنقوا علنا أو رميا بالرصاص أو رجموا.. لجرائم رأي. ولم يستطع أحد منهم أن يعتمد على أي تضامن دولي. ومن ذا يفكر في أن يخوض معركة مشتركة الى جانب عشرات الآلاف من المسجونين السياسيين الأخرين الذين ينتظرون الإعدام في سجون إیران؟

وما من شيء أكبر مشروعية من الاحتجاج على الرقابة، وخاصة حين تمارسها الدولة، ولهذا فإننا نشعر بالدهشة لأننا لم نسمع كثيرا من الاحتجاجات على حكومة قامت -في 1988- بحظر 139 كتابا، و 10 صحف يومية، و 88 دورية سياسية و 54 نشرة و 63 مجلة أسبوعية الخ.. هل حدث هذا في إيران؟ كلا، بل في أوروبا…. وفي بلد تبين فيه رئيس الوزراء الفرنسي منذ فترة قصيرة “تقدما حقيقيا للغاية” في مجال حقوق الإنسان… في تركيا التي يرأسها أوزال، والتي تزمع رسميا الانضمام الى الجماعة الأوروبية.

وكيف لنا ألا نوافق أناس موهوبين مثل إيلي ويسيل يصرحون بأن التهديدات ضد سلمان رشدي “اذا هي انتهت بإسكات الكاتب لا تعني فحسب نهاية الأدب بل نهاية المدنية”؟ قاصداً “بالمدنية” بالطبع احترام حقوق الإنسان……

ولكن كيف لنا ألا نأسف لأن مثل هذا الشعور بالسخط لا يتجلى حين تقع اعتداءات خطيرة اخرى على حقوق الانسان؟ وعلى سبيل المثال في الأراضي التي تحتلها اسرائيل حيث يتمرد السكان يوماً وراء يوم منذ سبعة عشر شهرا ضد الاحتلال العسكري، ضد جنود يطلقون الرصاص على العزل، وعلى الأطفال…. كم من توقيع جمع احتجاجاً على ذلك؟ وللتضامن مع اولئك الكتاب والمفكرين الذين يدينون -في اسرائيل نفسها- هذا القمع؟

ومن الذي يتظاهر لصالح الأطفال الذين يغتالون في العراق، وتعذبهم قوات الأمن تحت أعين آبائهم من المعارضين السياسيين؟

ثم ان هناك مظالم دون مسؤول ظاهر، مظالم اكثر عالمية وأكثر انتشاراً. وفي المقام الأول مديونية أمريكا اللاتينية وأفريقيا. إنها تجريد مالي، لكن هذا التجريد يتجسد بشكل ملموس في الحياة اليومية لعشرات الملايين من المواطنين، ويثير انتفاضات تخنق بالدماء كما حدث في الجزائر في أكتوبر/تشرين الأول 1988. أو كما حدث منذ قليل في فنزويلا. وثمة بلدان أخرى – بيرو، الأرجنتين، البرازيل تنتظر إعصار العنف. فماذا يصنع المجتمع الدولي ليهب الى نجدتهم لكي يعززوا ديمقراطيتهم الهشة؟

ففي ساعة التدويل الحالية ينكمش العالم، وإذا كان عملا مجيدا أن يحدث تضامن على نطاق كوكبنا لصالح كاتب مهدد فإن هناك آلاما أخرى شديدة، ضحاياها أقل ظهورا في وسائل الإعلام. فمن الذي سيخوض معهم قضيتهم المشتركة؟

 

إشتراك سنوي + 24 أخر عدد

إشتراك سنوي

إشتراك سنوي

العدد الحالي

العدد الحالي

إقتناء العدد الحالي فقط

Share This